كمن يؤذن فى مالطا باتت كل مطالبنا النظر بعين الإعتبار لحالة الشعب المطحون.. غلاء لايعرف الرحمة، يحاصرنا فى كل مكان.. أكل وشرب وملبس ومصاريف مدارس ودروس وفواتير كهرباء وغاز ومياه، لم نجد سوى السماء والتضرع إلى الله أن يفك كربنا.. تعاملنا مع أزماتنا على أنها ابتلاء أصابنا، تكفيرا عن ذنوبنا وضعفنا وتخاذلنا وخنوعنا، ومحوا لسيئاتنا التى تعاظمت بفعل سكوتنا على الظلم وتخلينا عن حلم ثورى كان به خلاصنا.. لكن أليس للابتلاء حد؟ أو ليست الذنوب قابلة للغفران؟
تبدو خطايانا غير قابلة للمحو وتبدو ذنوبنا عصية على التجاوز والصفح والنسيان! بتنا أقرب لمن فرض عليه عقاب سرمدى!! لايخفف عنه العذاب، ولايسمح له بطلب الصفح! تلك المتاهة التى بتنا فيها تبدو مصيرا نستحقه جميعا، فقط لأن بعضنا تجرأ يوما وقام وثار آ وتبجح وطالب بالعيش والحرية والعدالة الإجتماعية! هل بتنا مصابين بفوبيا يناير!
يبدو الأمر كذلك بالفعل، فوبيا الثورة لم يسلم منها مؤيدوها وكارهوها على السواء! مؤيدوها يتجرعون مرارة فشلها وكارهوها يتلذذون بإهالة التراب عليها وتلطيخها وإلصاق كل أسباب مشاكلنا وأزماتنا بها! فلا مرارة الفشل دفعت مؤيديها للندم ووأدت حلمهم الكسير ولا حلاوة الإنتصار طمأنت كارهيها وبثت فى قلوبهم قدرا من الهدوء والإستقرار.. حلقة مفرغة تبدو لانهاية لها.. حلم ثورى تحول لكابوس، وشعب مطحون لايدرى إن كان يسدد فواتير ثورته أم يدفع ثمن فشل ولاة أمره! يطالبونه بالصبر والتحمل والجلد.. فيصبر ويتحمل أملا أن يأتى يوم ويجنى ثمار تعبه وصبره وتحمله!! لكن يبدو أن صبره لا يزيد المسئولين عنه إلا مزيدا من الضغط والمعاناة والتجبر! تصريحاتهم الصادمة تثبت كل يوم أنهم فى واد آخر غير الذى يعيشه المطحونون! بعضهم يمهد لإلغاء مجانية التعليم، وآخر يبشرنا بزيادة فواتير الكهرباء، وثالث يلوح برفع تذاكر المترو، ورابع يطالبنا بالإستغناء عن سلع أساسية قربانا لبناء الوطن، وخامس يسعى لتشريد الموظفين، وسادس يجتهد لخصخصة الشركات وتشريد العمال، وسابع وعاشر.. يرون أن الشعب مدلل ويجب عليه أن يكون أكثر تحملا لأزماته، وأن الشكوى من الغلاء مبالغ فيها، وأن مئات الجنيهات تكفى لسد إحتياجاته وزيادة!
تصريحات مستفزة يستقبلها المطحونين بوجوم ولسان حالهم يقول "اللى إيده فى المية غير اللى إيده فى النار" وشعبنا اكتوى بالنيران حتى تفحم جسده.. أما الأكثر إستفزازا، فتلك الوعود الخيالية التى يتشدق بها آخرون، منهم من يسعى لوضع خارطة طريق للحفاء أثناء الحياة فوق كوكب الأرض ومنهم من يدعونا لمداواة مرضانا بالصدقات، ومنهم من يرى أننا نبهر البلدان المتقدمة ونلهمها بتجاربنا وريادتنا، وكأننا أصبحنا حكماء عصرنا وأطباء الكون!.
بين قراراتهم المحكمة الخناق على رقابنا وأحلامهم الوهمية الشاطحة بخيالها ولا واقعيتها يستمر الحصار، يعتصرنا بلارحمة حتى ننسى يوما أصواتا ثائرة كانت تردد بحماس عيش حرية عدالة إجتماعية كرامة وطنية!! هل مازلتم تتذكرون!
--------------------------
بقلم: هالة فؤاد